فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} إنما قالوا هذه المقالة لأن مذهب اليهود التجسيم فكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
قال بعض العلماء: إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه فهو فسق، وقال بعضهم: إنما قالوه على وجه المجاز.
والمعنى: اذهب أنت وربك معين لك لكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التأويل.
وقال بعضهم: إنما أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى والأصح أنهم إنما قالوا ذلك جهلًا منهم بالله تعالى وصفاته ومنه قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فاذهب} أي إذا كان الأمر كذلك فاذهب {أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} أي فقاتلاهم وأخرجاهم حتى ندخل الأرض؛ وقالوا ذلك استهانة واستهزاءًا به سبحانه وبرسوله عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاة، وقصدوا ذهابهما حقيقة كما ينبىء عنه غاية جهلهم وقسوة قلوبهم، والمقابلة بقوله تعالى: {إِنَّا هاهنا قاعدون}، وقيل: أرادوا إرادتهما وقصدهما كما تقول: كلمته فذهب يجيبني كأنهم قالوا: فأريدا قتالهم واقصداهم، وقال البلخي: المراد: فاذهب أنت وربك يعينك، فالواو للحال، و{أَنتَ} مبتدأ حذف خبره وهو خلاف الظاهر، ولا يساعده {فَقَاتِلا} ولم يذكروا أخاه هارون عليهما السلام ولا الرجلين اللذين قالا كأنهم لم يجزموا بذهابهم أو لم يعبأوا بقتالهم، وأرادوا بالقعود عدم التقدم لا عدم التأخر أيضًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى قولهم: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا} إن كان خطابًا لموسى أنّهم طلبوا منه معجزة كما تعوّدوا من النصر فطلبوا أن يهلك الله الجبّارين بدعوة موسى.
وقيل: أرادوا بهذا الكلام الاستخفاف بموسى، وهذا بعيد، لأنّهم ما كانوا يشكّون في رسالته، ولو أرادوا الاستخفاف لكفروا وليس في كلام موسى الواقع جوابًا عن مقالتهم هذه إلاّ وصفهم بالفاسقين.
والفسق يطلق على المعصية الكبيرة، فإنّ عصيان أمر الله في الجهاد كبيرة، ولذلك قال تعالى: {فلا تأس على القوم الفاسقين}، وعن عبد الله بن مسعود قال: أتى المقدادُ بن الأسود النبيءَ وهو يدعو على المشركين يوم بدر فقال: «يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل» {فاذْهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} الحديث.
فَلا تَظُنَّنّ من ذلك أنّ هذه الآية كانت مقروءة بينهم يوم بدر، لأنّ سورة المائدة من آخر ما نزل، وإنّما تكلّم المقداد بخبر كانوا يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُحدّثهم به عن بني إسرائيل، ثم نزلت في هذه الآية بذلك اللّفظ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قَألُوا يَامُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلْهَا أَبِدًا مَّا دَامُوا فِيهَا}.
مَنْ أَقْصَتْه سوابِقُ التقدير لم يزِدْه تواترُ «العظة» إلا نفورًا وجحودًا.
قوله جلّ ذكره: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هاهنا قَاعِدُونَ}.
تركوا آداب الخطابِ فصرَّحوا ببيان الجحد ولم يحتشموا من مجاهرة الرد. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{قالوا يا موسى لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها} لما كرر عليهم أمر القتال كرروا الامتناع على سبيل التوكيد بالمولين، وقيدوا أولًا نفي الدخول بالظرف المختص بالاستقبال وحقيقته التأبيد، وقد يطلق على الزمان المتطاول فكأنهم نفوا الدخول طول الأبد، ثم رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبارين فيها، فأبدلوا زمانًا مقيدًا من زمان هو ظاهر في العموم في الزمان المستقبل، فهو بدل بعض من كل.
{فاذهب أنت وربك فقاتلا} ظاهر الذهاب الانتقال، وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة، ولذلك قال الحسن: هو كفر منهم بالله تعالى.
قال الزمخشري: والظاهر أنهم قالوا ذلك استهانة بالله ورسله وقلة مبالاة بهما واستهزاء، وقصدوا ذهابهما حقيقة لجهلهم وجفائهم وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل، وسألوا بها رؤية الله جهرة، والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم.
ويحكى أنّ موسى وهارون خرّا لوجوههما ما قدامهم لشدة ما ورد عليهما فسموا برجمهما، ولأمر ما قرن الله اليهود بالمشركين وقدمهم عليهم في قوله تعالى: {لتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} وقيل: يحتمل أن لا يقصدوا الذهاب حقيقة، ولكن كما تقول: كلمته فذهب يحبيني، يريد معنى الإرادة والقصد للجواب، كأنهم قالوا: اريد إقبالهم.
والمراد بالرّب هنا هو الله تعالى.
وذكر النقاش عن بعض المفسرين هنا أن المراد بالرّب هارون، لأنه كان أسن من موسى، وكان معظمًا في بني إسرائيل محببًا لسعة خلقه ورحب صدره، فكأنهم قالوا: اذهب أنت وكبيرك.
وهو تأويل بعيد يخلص بني إسرائيل من الكفر.
وربك معطوف على الضمير المستكن في اذهب المؤكد بالضمير المنفصل، وقد تقدّم الكلام على ذلك في قوله: {اسكن أنت وزوجك الجنة} ورددنا قول من ذهب إلى أنه مرفوع على فعل أمر محذوف يمكن رفعه الظاهر، فيكون من عطف الجمل التقدير: فاذهب وليذهب ربك.
وذهب بعض الناس إلى أن الواو واو الحال، وربك مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف.
أو تكون الجملة دعاء والتقدير فيهما: وربك يعينك، وهذا التأويل فاسد بقوله فقاتلا.
{إنا هاهنا قاعدون} هذا دليل على أنهم خارت طباعهم فلم يقدروا على النهوض معه للقتال، ولا على الرجوع من حيث جاءوا، بل أقاموا حيث كانت المحاورة بين موسى وبينهم.
وها من قوله هاهنا للتنبيه، وهنا ظرف مكان للقريب، والعامل فيه قاعدون.
ويجوز في مثل هذا التركيب أن يكون الخبر الظرف وما بعده حال فينتصب، وأن يكون الخبر الاسم والظرف معمول له.
وهو أفصح. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا يَا مُوسَى إنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
قَوْلُهُ: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ بِمَعْنَى «وَرَبِّك مُعِينٌ لَك».
وَالثَّانِي: الذَّهَابُ الَّذِي هُوَ النُّقْلَةُ؛ وَهَذَا تَشْبِيهٌ وَكُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ جَهْلِهِمْ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْمَجَازِ «قَاتَلَهُ اللَّهُ» بِمَعْنَى أَنَّ عَدَاوَتَهُ لَهُمْ كَعَدَاوَةِ الْمُقَاتِلِ الْمُسْتَعْلِي عَلَيْهِمْ بِالِاقْتِدَارِ وَعِظَمِ السُّلْطَانِ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)}.
كأن خلاصة قولهم لموسى عليه السلام: لا ترهق نفسك معنا ووفّر عليك جهدك فنحن لن ندخل هذه الأرض، مادام هؤلاء العمالقة فيها. وإن كانت مصرًّا على دخولنا هذه الأرض فاذهب أنت وربك فقاتلا ونحن بانتظاركما هنا قاعدون. هكذا بلغ بهم الخوف أن سخروا من موسى وربّ موسى. وهكذا وصل بهم الاستهزاء إلى تلك الدرجة المُزرية. ولم يكن ذلك بالأمر الجديد عليهم فقد قالوا من قبل: {أَرِنَا الله جَهْرَةً} [النساء: 153].
ومن قبل ذلك أيضًا عبدوا العجل. فماذا يقول موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي...}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)}.
أخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن انس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر، ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك».
وأخرج أحمد وابن مردويه عن عتبة بن عبد السلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه «ألا تقاتلون؟ قالوا: نعم. ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون».
وأخرج أحمد عن طارق بن شهاب أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر «يا رسول الله، إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون».
وأخرج البخاري والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال «لقد شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحب إليَّ مما عدل به، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين قال: والله يا رسول الله، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك».
وأخرج ابن جريرعن قتادة قال «ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد المشركون الهدي وحيل بينهم وبين مناسكهم! إني ذاهب بالهدي فناحره عند البيت. فقال المقداد بن الأسود: اما والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {قَالُواْ يا موسى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا} {ما} مصْدَريَّة ظرفية و{دَامُوا} صِلَتُهَا، وهي «دَامَ» النَّاقصة، وخبرها الجارُّ بعدها، وهذا الظَّرْفُ بَدَلٌ من {أبدًا} وهُوَ بَدَلُ بَعْض من كُلّ؛ لأنَّ الأبَدَ يعمُّ الزَّمَن المُسْتَقْبَل كله، ودوام الجَبَّارين فيها بَعْضه، وظَاهِرُ عِبَارَة الزَّمَخْشَرِيِّ يُحْتَمَلُ أن يكُون بَدَلُ كُلٍّ من كُلٍّ أو عَطْف بَيَان، والعَطْفُ قد يَقَعُ بَيْن النَّكِرَتَيْن على كلام فيه تقدَّم.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: و{أبَدًا} تعليق للنَّفْي المُؤكَّد بالدَّهْر المُتَطَاولِ، {مَّا دَامُواْ فِيهَا}: بيانُ الأمْر، فهذه العَبَارَةُ تَحْتَملُ أنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ من كُلٍّ، لأنَّ بَدَل البَعْضِ من الكُلِّ مُبَيِّنٌ للمُرَاد، نحو: «أكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ»، ويحتَملُ أن يكُون بَدَلَ كُلٍّ من كُلٍّ، فإنَّه بيانٌ أيضًا للأوَّل، وإيضَاحٌ له، نحو: رَأيْتُ زَيْدًا أخَاك، ويحتمل أن يكُون عَطْفَ بَيَانٍ.